الاثنين، 21 نوفمبر 2011

المجاملة للغير




توقفت كثيرا عند هذه الأسطر للأديب يوسف السباعي في رائعته .. " ارض النفاق " 


حيث كان يتحدث عن قصة خياليه
يقابل فيها رجلا مسنا يبيع " الاخلاق " في زجاجات وعلب 
وقد حاول ذلك الرجل ان يبيعه مسحوقا للشجاعة او للتواضع ، او .. او .. 
الا ان الكاتب اصرّ على ان يشتري مسحوق الصدق رغم معارضة البائع ورفضه التام !!!
مما جعله يخطف هذه الزجاجة من البائع المسن 
الذي عجز عن منعه من سكب محتويات هذه الزجاجة في النهر .
وعندما دخل الكاتب المدينة ليرى آثار فعلته .. رأى اضطرابا شاملا وفوضى عارمة ، 
بعد ان سقطت اقنعة النفاق والرياء والمجاملات الكاذبة ، 
وظهرت المشاعر والعواطف على حقيقتها وبدأ كل انسان يعامل من حوله بصدق وصراحة ، 
مما اوقع البلد في دوامة عاصفة .. 
وقد جعله ذلك يندم على القائه مسحوق الصدق في النهر الذي يشرب منه جميع الناس .. 
و يعود الى البائع معتذرا نادما يلتمس منه الحل لهذه المصيبة الكبرى … مصيبة الصدق . 




وكان سبب توقفي عند هذه الأسطر هو سؤال حيرني كثيرا ..
تخرج منه عدة أسئله لا تقل في حيرتها عن اساسها


هل هذا صحيح ؟ 
هل نحن لا نستطيع ان نتعايش الا بأقنعة كثيفة من الأكاذيب والمجاملات والنفاق 
تغطي مشاعرنا الحقيقية تجاه هذا او ذاك من الناس ؟ 
وما قيمة هكذا حياة نقضيها في خداع بعضنا ؟ 
وما المانع من مصارحة الاخرين بارائنا فيهم ؟ 


اننا نقدم اعذارا واهية وتبريرات ضعيفة لاكاذيبنا وخداعنا .. 
نحن لا نريد ان نكسر قلب فلان .. ولا نريد ان نجرح علان .. 
وكأننا اناس صالحون لا نريد ان نسئ الى احد .. 
وكأن الصدق هو فقط ان نقول للاعمى انت اعمى وللفقير انت فقير وللابله انت ابله .. 
وان كان ذلك في الحقيقة هو الصدق الوحيد الذي نمارسه ولا نخاف من عواقبه 
ما دام الشخص الذي نصارحه شخصا مسكينا لا يستطيع ايذائنا او محاسبتنا .


والحقيقة يا سادة هي غير ذلك مع الاسف …. 
الحقيقة هي ان مصالحنا الصغيرة وانانيتنا الضيقة 
هي التي تجعلنا نجامل هذا وننافق ذاك 
خوفا من اثارة عدائهم ولفت انتباههم الى عيوبنا وسلبياتنا ونقائصنا 
التي بنينا عليها حياة الاكاذيب التي نعيش عليها ونموت فيها ، 
متجاهلين اننا ندفع ثمنا فادحا لا يعوض بكل كنوز الارض .. 
الا وهو احترامنا لانفسنا

ليست هناك تعليقات: